یمکننا أن ننظر إلى هذه القضیّة من زوایا مختلفة وندرسَها من منطلقات عدیدة. ونحن فی هذه العُجالة نتناول الموضوع من منطلق ربّما یکون سیاسیّاً بحتاً فی النظرة الأولى وقد لا یروقه البعض. ولکن إذا أردنا أن نصل إلى حلّ أمثلَ لهذه المشکلة وغیرها من المشاکل فعلینا أن نکون صادقین مع أنفسنا ومع مجتمعنا ولا نغمض أعیننا على الواقع مهما کان مَریراً ومُزریاً. فإنّ الطبیب الذی لم یعرف المرض لا یمکنه تقدیم وصفة طبّیّة فعّالة وتبوء کل محاولاته وجهوده العلاجیّة بالفشل وقد یُودی بحیاة المریض. فإن بطالة الملائین من الشباب وعدمَ حصولهم على مِهَنٍ تتناغم مع رغباتهم ومیولهم واختصاصاتهم لیست مشکلة بسیطة وعابرة حتى نُهمِلَها أو نُلقی الّلوم على الشباب أنفسهم ونتخلّى عن مسؤولیاتنا. فإن مشکلةً کهذه ترجع فی الدرجة الأولى إلى سیاسات الحکومة الخاطئة تجاه مشاکل الشباب عامّة ومشکلة بطالتهم خاصّة. فإنّ الحکومة تزجّ بهذا الکمّ الهائل من الشباب إلى الجامعات دون أن تفکّر فی مستقبلهم المهنی. فإنّها فی الواقع لا تهتمّ بحل مشاکل الشباب بقدر ما تهتمّ بحلّ مشاکلها السیاسیّة والحزبیّة. فبدل أن تقدّم حلولاً ناجعة لهذه المشکلة العویصة فإنّها تکتفی ببعض الخطوات القصیرة المدى تشبه فی غالبیّتها بمهدّئات یقدّمها الطبیب للمریض لئلّا یشعر بالألم. فإنّ فتح أبواب الجامعات على مصاریعها فی وجه کلّ من هبّ ودبّ لا یحلّ مشکلة البطالة لدى الشباب خلافا لما تظنّه الحکومة. فهناک آلاف من الخرّیجین یعیشون فی الفقر المدقع حیث یلهث الواحد منهم وراء أحقر مهنة لیمتهنَها ویسدّ جوعه ولکنّه کثیراً ما تذهب جمیع محاولاته وجهوده أدراج الریاح وتُسدّ فی وجهه کلُّ نافذة یُطِلُّ منها بصیصُ أملٍ. فلا غرابةَ إذَن أن نرى هذه الجموع الغفیرة من الخرّیجین قد لجأوا إلى إدمان الکحول والمخدّرات أو نراهم یقضون حیاتهم المزریة فی حیرة وارتباک. فالبطالة تنتهی إلى الفقر لا محالةَ و "کاد الفقر یکون کفراً"!
فهلّا أدرک العقلاءُ من القوم طبیعةَ هذه الأزمةِ العارمةِ وقدّموا لها حلولاً حقیقیّةً قبل أن یتّسع الخَرقُ على الرّاقع؟!
مختار حسامی ۱۴۳۹/۰۳/۱۹
۱۳۹۶/۰۹/۱۷